إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
229225 مشاهدة
بيع ما في الذمة

وأما بيع ما في الذمة: فإن كان على من هو عليه: جاز، وذلك بشرط قبض عوضه قبل التفرق، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تتفرقا، وبينكما شيء رواه الخمسة . وإن كان على غيره لا يصح؛ لأنه غرر.


بيع ما في الذمة:
قوله: (وأما بيع ما في الذمة فإن كان على من هو عليه جاز... إلخ):
صورة ذلك: إذا كان لك في ذمته شاة أو كيس أو عشرون صاعا، فتقول- مثلا- الكيس الذي في ذمتك بخمسين ريالا، أو تقول: بعتك الشاة التي في ذمتك أو الجمل الذي في ذمتك بمائة ريال.
فإذا كان البيع على من هو في ذمته جاز، ولكن لا بد من شرط وهو قبض عوضه قبل التفرق؛ حتى لا يكون قد باع دينا بدين، فإذا كانت- مثلا- الشاة التي في ذمته غائبة، واشتريتها بمائة غائبة أصبح دينا بدين، فلا بد أن تسلم العوض قبل التفرق.
قوله: ( لقوله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها إلخ):
هذا الحديث رواه ابن عمر -رضي الله عنه- قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم فسألنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لا بأس أن تباع بسعر يومها إذا لم يتفرقا وبينهما شيء .
فهو يقول مثلا: نبيع البعير بعشرة دنانير، ولكن لا يكون مع صاحبه الذي اشتراه دنانير ذهب فيعطينا قيمة الدنانير دراهم، والدرهم في ذلك الوقت يساوي نصف السدس من الدينار فصرف الدينار اثنا عشر درهما، فإذا باع -مثلا- بعشرة دنانير، فإنه يأخذ بدلها مائة وعشرين درهما، فهذا صرف بعين وذمة، فالعين: الدراهم حاضرة، والذمة الدنانير غائبة، فكأنه يقول: أشتري منك الدنانير التي في ذمتي بدراهم نقدا، ففي ذمتي لك ثمن الشاة أو ثمن البعير عشرة
دنانير، وليس عندي إلا دراهم، خذ قيمتها فقيمتها الآن في الأسواق، مثلا قيمة الدينار اثنا عشر، وقيمة العشرة مائة وعشرون، فخذ المائة والعشرين، فهذا جائز.
ويمثل أيضا بالجنيه، فإذا كان في ذمته لك جنيه سعودي، وطلبت الجنيه، فقال: ليس عندي جنيه، ولكن عندي ريالات سعودية، فسألتم كم قيمة الجنيه السعودي، فقالوا: قيمته خمسمائة ريال سعودي، فقال: أنا أعطيك صرفه قيمته الآن خمسمائة ريال سعودي.
فهنا لم يحصل حضور العوضين، ولكن أحدهما في الذمة والآخر نقدا، فإذا لم تتفرقوا وبينكم شيء؛ فلا بأس.
قوله: (وإن كان على غيره لا يصح؛ لأنه غرر):
أما إذا كان على غير من هو عليه فلا يصح؛ لأنه من الغرر، فإذا قال- مثلا - عند فلان لي عشرة جنيهات أبيعكها -مثلا- الجنيه بخمسمائة، فهذا بيع فيه غرر؛ لأن صاحبها غائب، ولا يدرى هل هي ثابتة أم لا، وهل هي موجودة عنده أم لا، فمثل هذا من الغرر.
ومثال ذلك بالبهائم: إذا كان في ذمة زيد لك شاة، صفتها كذا، وسنها كذا، ولونها كذا، ولكنها بالذمة، فهل يجوز أن أشتريها منك وهي في ذمة زيد؟
الجواب: لا يجوز؛ لأن هذا غرر، فلا يدرى أين هي؟ وهل هي موجودة أم لا؟!
ومثل هذا أيضا يقع كثيرا في هذه الأزمنة، فيطلب- مثلا- منحة أرض، فإذا أعطي منحة، وهذه المنحة يعطى لها رقم، ولا يدرى هل هي في الشرق أم في الغرب؟ ولا يدرى أين محلها، ولا يدرى أين مكانها، فهل يجوز أن يبيعها قبل أن يعرف موقعها؟
الجواب: لا يجوز؛ لأن هذا من بيع الغرر.